كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الوجه الثاني: أنه إن عجز عن الهدي قوم شاة الهدي دراهم، واشترى بها طعامًا وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما، والوجهان الآخران عند الشافعية تركناهما لضعفهما وشذوذهما، كما قاله علماء الشافعية. ومذهب الشافعي في الدم اللازم. بسبب الاستمناء: كالطيب واللباس، ومقدمات الجماع: أن فيه عندهم أربعة أوجه، وقد قدمناها.
وقدمنا أن أصحها أنه كفدية الأذى المنصوصة في آية الفدية. ودم الجماع فيه، عند الشافعية طرق واختلاف منتشر، والمذهب المشهور عندهم: أنه بدنة، فإن عجز عنها فبقرة، فإن عجز فسبع شياه. فإن عجز قوم البدنة بدراهم، والدراهم بطعام ثم تصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما. وقيل: إن عجز عن الغنم قوم البدنة وصام، فإن عجز أطعم، فيقدم الصيام على الإطعام ككفارة الظهار ونحرها. وقيل: لا مدخل للإطعام والصيام، بل إذا عجز عن الغنم ثبت الفداء في ذمته. وقيل: إنه يتخير بين البدنة، والبقرة، والغنم، فإن عجز عنها، فالإطعام ثم الصوم.
وقيل: يتخير بين البدنة، والبقرة والشياه، والإطعام والصيام وكل هذه الأقوال لا دليل على شيء منها من كتاب ولا سنة ولا قياس جلي.
وقول الظاهرية: إن كل ما لم يثبت من هذه المذكورات من صيام، ودم لا يجب، لأن كل ما سكت عنه الوحي فهو عفو له وجه من النظر، والعلم عند الله تعالى.
وقد قدمنا أن مذهب مالك هو قياس الطيب واللبس ونحو ذلك على فدية الأذى كغيره، من الأئمة.
وأما دم الفوات والفساد، وترك الرمي وتعدي الميقات، وترك المبيت بمزدلفة، فكل ذلك يقيس بدله على بدل التمتع، فإن عجز عن الهدي صام عشرة أيام، وإنما يصوم الثلاثة في الحج عندهم المتمتع، والقارن ومتعدي الميقات، ومفسد الحج ومن فاته الحج.
وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو النزول بمزدلفة، فيصوم متى شاء، لأنه يقضي في غير حج، فيصوم في غير حج. اهـ. من المواق.
وقد قدمنا في مسائل الحج التي ذكرناها في الكلام على آية الحج: بعض المسائل التي يتعدد فيها الدم، وبعض المسائل التي لا يتعدد فيها في مواضع متفرقة، مع عدم النص في ذلك من كتاب أو سنة.
والأظهر عندي: أن الدماء إن اختلفت أسبابها كمن جاوز الميقات غير محرم، ودفع من عرفة قبل غروب الشمس عند من يقول حجه صحيح، وعليه دم، وترك المبيت بمزدلفة وترك المبيت بمنى أيام منى، أنه تتعدد عليه الدماء، بتعدد أسبابها مع اختلافها. أما إن كانت الأسباب المتعددة من نوع واحد، كأن ترك رمي يوم، ثم ترك رمي يوم آخر أو بات ليلة من ليالي منى في غير منى ثم كرر ذلك، فللتعدد وجه وللاتحاد وجه، وقد قدمنا أقوال أهل العلم في ذلك في محله. والعلم عند الله تعالى.
واعلم: أن من اعتمر في أشهر الحج، وأحل من عمرته، وهو يريد التمتع ثم كرر العمرة في أشهر الحج: لا يلزمه إلا هدي تمتع واحد، ولا ينبغي أن يختلف في ذلك، والعلم عند الله تعالى.
وقد قدمنا أن أقل الهدي واجبًا كان للتمتع والقران ونحوهما، أو غير واجب شاة تجزئ ضحية أو شرك في دم، كسبع بدنة أو بقرة على التحقيق، كما تقدم إيضاحه، ولا عبرة بخلاف من خالف في الاشتراك فيه لثبوته بالنص الصحيح.
واعلم: أن من أحرم بعمرة في أشهر الحج له أن يدخل عليها الحج، فيكون قارنًا، وعليه دم القران ما لم يفتتح الطواف بالبيت، وإن افتتح الطواف: ففي جواز إدخاله عليها حينئذ، خلاف بين أهل العلم.
قال النووي: فجوزه مالك ومنعه عطاء، والشافعي، وأبو ثور.
واختلفوا أيضًا في إدخال العمرة على الحج، فيكون قارنًا، وعليه دم القران، وقد قدمنا أن الشافعية والمالكية يقولون: إن ذلك هو الذي فعله النَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأكثرهم يقول: هو لا يجوز لغيره، بل جوازه خاص به صلى الله عليه وسلم كما قدمنا.
وقال النووي في شرح المهذب: واختلفوا في إدخال العمرة على الحج، فقال أصحابنا: يجوز، ويصير قارنًا وعليه دم القران، وهو قول قديم للشافعي ومنعه الشافعي في مصر، ونقل منعه عن أكثر من لقيه. اهـ. محل الغرض منه.
والظاهر: أن المحرم المتمتع إذا أحل من عمرته، يستحب له ألا يحرم بالحج، إلا يوم التروية لأن ذلك هو الذي فعله أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، بأمره في حجة الوداع، ومحل هذا إن كان واجدًّا هدي التمتع، فإن كان عاجزًا عنه ويريد أن يصوم، استحب له تقديم الإحرام، ليصوم الأيام الثلاثة في إحرام الحج، وقد قدمنا أقوال من قال من أهل العلم: إنه ينبغي أن يكون آخرها يوم عرفة، وقول من كره صوم يوم عرفة واستحب انتهاءها قبل يوم عرفة. والله تعالى أعلم.
تنبيه:
إذا فرغ المتمتع من عمرته، وكان لم يسق هديا فإن له التحلل التام، فله مس الطيب والاستمتاع بالنساء، وكل شيء حرم عليه بإحرامه، فإن كان ساق الهدي ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: أن له التحلل أيضًا، لأن الله يقول في التمتع {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج} [البقرة: 196] ولا يمنعه سوق الهدي من ذلك، لأنه متمتع.
والقول الثاني: أنه لا يجوز له الإحلال حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر، واستدل من قال بهذا بحديث: حفصة رضي الله عنها، الذي قدمناه أنها قالت له صلى الله عليه وسلم: ما شأن الناس حلوا، ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر» وكلا القولين قال به جماعة من الأئمة رضي الله عنهم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي: أن له أن يحل من إحرامه، ولَكِنه يؤخر ذبح هدي تمتعه، حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، كما قدمنا إيضاحه. والاحتجاج بحديث حفصة المذكور لا ينهض كل النهوض لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، فحديثها ليس في محل النزاع، لأن النزاع فيمن أحرم بعمرة يريد التحلل منها. والإحرام بالحج بعد ذلك. هل يمنعه سوق الهدي من التحلل؟ وحديث حفصة في القرآن، والقران ليس محل نزاع، وقولها: ولم تحلل أنت من عمرتك. تعني: عمرته المقرونة مع الحج، لا عمرة مفردة بإحرام، دون الحج كما هو معلوم، وكما تقدم إيضاحه.
ومما يوضحه أنه صلى الله عليه وسلم قال «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتا عمرة» فدل على أنه لم يجعلها عمرة مفردة الذي هو محل النزاع، لأن ظاهره أنها لو كانت مفردة لكان له الإحلال منها مطلقًا، ولا حجة في قوله «لما سقت الهدي» لأنه ساقه لقرأن لا لعمرة مفردة عن الحج.
وقال النووي: فإن قيل: قد ثبت في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة، حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يتحلل حتى ينحر هديه، ومن أهل بحجة فليتم حجه».
فالجواب: أن هذه الرواية مختصرة من روايتين ذكرهما مسلم قبل هذه الرواية، وبعدها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا» فهذه الرواية مفسرة للأولى ويتعين هذا التأويل، لأن القصة واحدة فصحت الروايات. انتهى منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ومما يؤيد ما ذكرنا عن النووي: أن رواية حديث عائشة المذكورة التي قال: إنها يجب تأويلها بتفسيرها بالروايات الصحيحة الأخرى فيها ما لفظه: ومن أهل بحجة فليتم حجه. لكثرة الروايات الصحيحة المتفق عليها عن جماعة من الصحابة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من أحرم بحج مفردًا، ولم يسق هديا أن يفسخ حجه في عمرة، ويحل منها الحل كله، فعلم أن قولها: ومن أهل بحجة فليتم حجته: يجب تأويله، وتفسيره بالروايات الأخرى الصحيحة، كما قال النووي. وقول من قال: إن سوق الهدي في عمرته يمنعه من الإحلال منها، حتى ينحر يوم النحر له وجه قوي من النظر لدخوله في ظاهر عموم قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، وهذا المعتمر المتمتع الذي ساق معه هدي التمتع إن حل من عمرته حلق قبل أن يبلغ هديه محله، والعلم عند الله تعالى. ولنكتف هنا بما ذكرنا من أحكام الدماء الواجبة بغير النذر.
أما الهدي الذي ليس بواجب: وهو هدي التطوع، وهو مستحب فيستحب لمن قصد مكة حاجًا أو معتمرًا أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام، وينحره ويفرقه «لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة وهو قارن» ويكفيه لدم القران بدنة واحدة، بل شاة واحدة، وبقية المائة تطوع منه صلى الله عليه وسلم: ويستحب أن يكون ما يهديه سمينًا حسنًا لقوله تعالى: {ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} [الحج: 32] الآية. وعن ابن عباس رضي الله عنهما تعظيمها الاستسمان والاستحسان والاستعظام، ويؤيده قوله تعالى: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله} [الحج: 36] الآية. ومعلوم: أن أقل الهدي: شاة تجزئ، ضحية أو سبع بدنة أو بقرة كما تقدم إيضاحه، ولا يكون من الحيوان إلا من بهيمة الأنعام، وقد تقدم إيضاح الأنعام، وأنها الأزواج الثمانية المذكورة في آيات من كتاب الله: وهي الجمل والناقة، والبقرة والثور، والنعجة، والكبش، والعنز، والتيس.
واعلم: أن التحقيق أن الهدي والإطعام يختص بهما فقراء الحرم المكي، وأن الصوم لا يختص به مكان دون مكان، مع اختلاف في الطعام كما تقدم إيضاحه في سورة المائدة.
وأظهر قولي أهل العلم أنه يلزمه ذبح الهدي في الحرم، وتفريقه، في الحرم أيضًا، خلافًا لمن زعم جواز الذبح في الحل، إن كان تفريق اللحم في الحرم، والتحقيق أن البدن يسن تقليدها، وإشعارها فيقلدها نعلين. ومعنى إشعارها: هو جرحها في صفحة سنامها، ويسلت الدم عنها. والجمهور على أن الإشعار في صفحة السنام اليمنى، كما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس خلافًا لمالك القائل: إنه في الصفحة اليسرى.
واعلم: أن التحقيق أن الإشعار المذكور سنة لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، خلافًا لأبي حنيفة القائل: بالنهي عنه، معللًا: بأنه مثلة وهي منهي عنها. وروي مثله عن النخعي، لأن الأحاديث الصحيحة الواردة بالإشعار تخصص عموم النهي عن المثلة ولأنه لا يسلم أنه مثلة، فهو جرح لمصلحة كالفصد والختان والحجامة والكي والوسم.
واعلم: أن الهدي من الغنم يسن تقليده، عند عامة أهل العلم، وخالف مالك وأصحابه الجمهور، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة «أنه صلى الله عليه وسلم أهدى غنمًا فقلدها» وقال بعض أهل العلم: لا تقلد بالنعال لضعفها، وإنما تقلد بنحو عرى القرب، ولا تشعر الغنم إجماعًا، والظاهر أن مالكًا لم يبلغه حديث تقليد الغنم، ولو بلغه لعمل به، لأنه صحيح متفق عليه، وإشعار البقر إن كان له سنام لا نص فيه، وقاسه جماعة من أهل العلم على إشعار الإبل. والمقصود من الإشعار والتقليد وتلطيخ الهدي بالدم، هو أن يعلم كل من رآه أنه هدي، لأنه قد يختلط بغيره، فإذا أشعر وقلد تميز عن غيره، وربما شرد فيعرف أنه هدي فيرد، وهذه العلة موجودة في البقر، فمقتضى القياس: إشعاره إن كان له سنام.
وقال بعض أهل العلم: الحكمة في تقليده النعلين: أن المنتعل عندهم كالراكب لكون النعل تقي صاحبها الأذى من الحر والبرد والشوك، والقذر ونحو ذلك فكأن المهدي خرج لله عن مركوبه الحيواني، وغير الحيواني، وظاهر صنيع البخاري أنهم قلدوا البقر في حجة الوداع حيث قال: باب فتل القلائد للبدن والبقر. ثم ساق حديث حفصة المتقدم، وفيه قال: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي» الحديث، فترى البخاري قال في الترجمة هذه: باب فتل القلائد للبدن والبقر.
وقال ابن حجر. وترجمة البخاري صحيحة لأنه إن كان المراد بالهدي في الحديث الإبل والبقر معًا فلا كلام وإن كان المراد الإبل خاصة، فالبقر في معناها. اهـ. محل الغرض منه وهو كما قال.
والأظهر: أن الصواب إن شاء الله أن البقر والإبل والغنم كلها تقلد إن كانت هديا، وأن الغنم لا تشعر قولًا واحدًا، وأن السنة الصحيحة ثابتة بإشعار الإبل، ومقتضى القياس أن البقر كذلك إن كان له سنام. والله تعالى أعلم.
واعلم: أن التحقيق أن من أهدى إلى الحرم هديا وهو مقيم في بلده ليس بحاج ولا معتمر، لا يحرم عليه شيء بإرسال الهدي كما هو ثابت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها ثبوتًا لا مطعن فيه فلا ينبغي أن يعول على ما خالفه، والعلم عند الله تعالى، ولذا ثبت في صحيح البخاري: «أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج، حتى ينحر هديه قالت: عمرة. فقالت عائشة رضي الله عنها: ليس كما قال ابن عباس: فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله حتى نحر الهدي». وحديث عائشة المذكور عند البخاري: أخرجه مسلم بألفاظ كثيرة معناها واحد، إلا أن فيه: أن الذي سأل عائشة ابن زياد.
والصواب ما في البخاري من أن الذي كتب إليها يسألها هو زياد بن أبي سفيان المعروف بزياد ابن أبيه، كما نبه عليه غير واحد، فما في مسلم من كونه ابن زياد، وهم من بعض الرواة، وقد قدمنا مرارًا أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ثبوتًا لا مطعن فيه يجب تقديمها على قول كل عالم، ولو بلغ ما بلغ من العلم والدي، وبه تعلم أن التحقيق أن من بعث بهدي، وأقام في بلده لا يحرم عليه شيء بإرسال هديه، وأن ما خالف ذلك لا يلتفت إليه، وإن زعم جماعة أنه مروي عن عمر وابنه، وعلي وقيس بن سعد بن عبادة، وسعيد بن جبير وابن سيرين، وعطاء، والنخعي، ومجاهد، لأن السنة الصحيحة مقدمة على أقوال كل العلماء وكذلك ما قاله سعيد بن المسيب: من أنه لا يجتنب إلا الجماع ليلة جمع: وهي ليلة النحر، لا يلتفت إليه. للحديث الصحيح المتفق عليه المذكور آنفًا، والحديث الذي رواه الطحاوي وغيره من طريق عبدالملك بن جابر، عن أبيه: الدال على أنه يحرم عليه ما يحرم على الحاج ضعيف، كما ذكره الحافظ في الفتح، فلا يعارض به الحديث المتفق عليه. وذكر ابن حجر في الفتح عن الزهري: ما يدل على أن الأمر استقر على حديث عائشة لما بينت به سنة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورجع الناس عن فتوى ابن عباس، والعلم عند الله تعالى.
واعلم: أن التحقيق الذي عليه جمهور أهل العلم: أن من أراد النسك لا يصير محرمًا بمجرد تقليد الهدي، ولا يجب عليه بذلك شيء خلافًا لما حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق، من أنه يصير محرمًا بمجرد تقليد الهدي، وخلافًا لأصحاب الرأي في قولهم: إن من ساق الهدي، وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام، لأن إيجاب الإحرام يحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه. وقد دلت النصوص: على أنه لا يجب، إلا إذا بلغ الميقات وأراد مجاوزته كما هو معلوم، والعلم عند الله تعالى.
تنبيه:
الظاهر: أن التحقيق أنه لا يشترط في الهدي أن يجمع به بين الحل والحرم، فلو اشتراه من منى ونحره بها من غير أن يخرجه إلى الحل أجزأه. قال النووي في شرح المهذب: وهو مذهبنا، وبه قال ابن عباس، وأبو حنيفة وأبو ثور والجمهور. وقال ابن عمر وسعيد بن جبير: لا هدي إلا ما أحضر عرفات. وقال ابن قدامة في المغني: وليس من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل، والحرم، ولا أن يقفه بعرفة لَكِن يستحب ذلك. وروي هذا عن ابن عباس وبه قال الشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي، وكان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما عرف به ونحوه، عن سعيد بن جبير. اهـ. محل الغرض منه.